الإدارة الجيدة تخلق الثروة ..والإدارة السيئة تبدد الثروة .. الإدارة هي جهاز التنفيذ لأي خطط وهي أداة تحقيق الأهداف .. فإن كانت الإدارة جيدة وناجحة .. نجحت الخطط ونجح التخطيط .. وتحققت الأهداف .. والعكس في حال الإدارة السيئة التي تبدد كل شيء.. فاليابان مثلاً شعب بلا موارد طبيعية تقريباً .. ولكنه شعب إدارة بكل المقاييس .. نجح .. وتقدم وأبهر العالم بنظامه الإداري الصارم.. أما المجتمعات التي تسودها ثقافة الفساد والخطف والنصب والنفاق والكسب السريع بأقل مجهود .. في هذا النوع من المجتمعات يتم تبديد ثرواتها مهما كانت كبيرة .. والأمثلة على ذلك كثيرة .. الإدارة الجيدة .. هي التنفيذ الجيد ..هي دفع الأفراد العاملين لتقديم أحسن ما عندهم .. أرجوكم تأملوا هذه الأمثلة الثلاثة ..أنها تلخص المشكلة بالضبط :
§ ([1]) في إحدى السنوات حضر إلى مصر خبيران أمريكيان في مجال الإدارة بناء على طلب من مصر .. واجتمعا مع بعض أساتذة الإدارة في مصر .. وبقيا يعملان في مصر حوالي شهر .. وفي النهاية قدما تقريراً عن رحلتهما أكدا فيه أن مصر ليست بحاجة إلى خبراء وأن الأساتذة فيها على أعلى مستوى ولا تقلون عن نظائرهم في أعظم الجامعات ..مشكلتكم "أنكم لا تعرفون كيف تديرون البشر، ولا كيف تجعلونهم فاعلين " وطبعاً كيف تستطيع أي إدارة الإنتاج إذا كانت غير قادرة على إدارة البشر؟ لقد لخص الخبيران المشكلة تماماً في عدم القدرة على إدارة البشر..
§ ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ضمن بعثة وزارة التربية والتعليم لدراسة تطوير المناهج ودراسة مشكلات التعليم وكيف نطورها .. والتقينا هناك بكبار الأساتذة والخبراء في مجال التربية .. وجرت بيننا وبينهم مناقشات ..وكنا نسمع تعليقاتهم ومنها قولهم: نحن مستغربون .. لماذا جئتم .. كل ما تريدون معرفته منا أنتم تعرفونه جيداً .. إن معلوماتكم لا تقل عن معلومات أي خبير تربوي في أحسن المواقع .. أن بعضكم ولد ليكون مدرساً .. أنكم معلمون بالفطرة. وكنا نصل في النهاية إلى جوهر المشكلة وهي أنهم هناك نجحوا في تطبيق ما يعرفون بينما فشلنا نحن في تطبيق ما نعرف .. أنها وبكل المقاييس مشكلة الإدارة .. عدم القدرة على إدارة البشر..
§ حضر إلى مصر مهندس كوري مدني للعمل في إحدى شركات القطاع الخاص والتقى بالمهندسين المصريين وفي إحدى المرات دار بينه وبين مهندس مصري شاب حوار بالغ العفوية ..وبالغ الدلالة ([2]).
([1]) من مقال الأستاذ الدكتور / يحي الجمل في المصري اليوم، 31/3/2008م.
([2]) قصة رواها لي ابن أخي المهندس/ محمد عبد الله سعيد.
قال له المهندس الكوري: عندما أخبرونا بأننا سوف نذهب إلى مصر تصورت أنني سأجد التماسيح في الشوارع والجمال وسأجد عاملين متخلفين بحاجة إلى من يعلمهم .. وعندما جئت وجدت صورة مختلفة تماماً .. والأعجب أنني التقيت بالمهندسين المصريين فانبهرت بعلمهم وخبرتهم ..
وفكرت كثيراً .. لماذا أنا هنا؟! إن هؤلاء المهندسين يعرفون ما أعرف.. بل إن بعضهم أقدر مني بكثير .. وأخذت أفكر في المشكلة بالضبط.. وبعد أن رأيت الصورة كاملة وحضرت عدة محاضرات ولقاءات وزرت مواقع الإنتاج والأسواق.. بعد كل ذلك اكتشفت المشكلة .. أين توجد المشكلة بالضبط .. المشكلة هي: عندنا في كوريا كل 100 واحد مش فاهم يقودهم واحد فاهم يعلمهم ويستخرج منهم أحسن ما عندهم .. بينما لاحظت بوضوح في مصر أن كل 100 واحد فاهم يقودهم واحد مش فاهم يعطل عملهم ويعطل إنتاجهم ويحبطهم بخططه وأفكاره .. هذا هو جوهر مشكلتكم ..
مرة ثالثة تعود هذه القصة إلى مشكلة الإدارة .. مشكلة الاعتماد على أهل الثقة وليس على أهل الخبرة .. مشكلة عدم القدرة على إدارة البشر واستخراج أحسن ما عندهم .. ألم أقل لكم أن من أكبر مشكلاتنا الإدارة في المقام الأول .. هل من المعقول أن تكون كل إمكانيات المسئول عن الإدارة هو قدرته العالية في التملق والنفاق والحرص على رضا المسئول الأكبر وهذا يضمن له استمراره في موقعه بصرف النظر عن أداته .. هل هذا هو المسئول الذي يستطيع قيادة عملية التطوير .. وهل من المعقول أن يكون المسئول عن الإدارة كل مهمته هو مجرد تسيير الأمور كما هي دون مشكلات تفادياً للنقد ..وبالتالي تصاب إدارته بالركود وبتصلب الشرايين وفقدان قدرتها على الأداء والتجديد والابتكار.. وهل من المعقول أن تكون مهمة المسئول عن الإدارة هي أحداث أكبر وقيعة بين الموظفين والعاملين وضرب بعضهم ببعض وخلق الشلل بينهم ليضمن وجود جبهة مؤيدة له بالحق وبالباطل ولتكشف له عن كل المعارضين بينما الأداء في وادي والمسئولين في وادي.. أنني أنظر إلى كثير من الإدارات التي أتعامل معها وأتأمل الناس فيها من الكبير إلى الصغير ..أتأمل طريقة عملهم .. طريقة تفكيرهم .. تمسكهم بلوائح قديمة علاها الصدأ لم تعد تساير إيقاع الحياة ولا متطلبات الناس .. يتمسكون بها بشدة إذا لزم الأمر .. ثم أراهم يقذفون بها تحت أرجلهم أمام أي فائدة أو مصلحة .. تتحقق لهم .. أنظر إلى هذا النمط من الإدارات ومن المسئولين واسأل نفسي: هل هؤلاء الناس قادرون على التطوير .. وهل يستطيعون تنفيذ خطط طموحة؟..والإجابة قطعاً:لا
لذلك فتطوير الإدارة .. وتطوير البشر والقدرة على تشغيلهم .. واستخراج أحسن ما عندهم .. وزرع الحماس والعزيمة في قلوبهم وخلق ما يسمى بحيوية الإدارة .. هذا كله يحتاج إلى خبرات وكفاءات عالية من أعلى المستويات إلى أدناها .. وهذا كله يجب أن يكون شاغلنا الرئيسي إذا انتوينا التطوير .. وإذا كان إصلاح التعليم هو الخطوة الأولى في بناء النهضة فإن إصلاح الإدارة هي الخطوة الأولى مكرر بكل تأكيد .. فهل نفهم؟
يجب أن يكون المسئول قادراً على الخلق والابتكار والتجديد .. يجب أن تكون قادراً على مواجهة المشكلات والتعامل مع الأزمات ..لا يجب أن يكون المسئول .. أي مسئول صغر أم كبر .. عاجزاً تماماً في تقديم أي جديد أو مواجهة أي مشكلة .. ولكنه عبقري في تصفية الخصوم والمعارضين بكل الطرق حتى تخلو له الساحة تماماً .. فإن خلت لا تجده بفعل شيئاً أو يقدم شيئاً .. وتجد المشكلات تتزايد وتتعاظم وينتشر الفساد في إدارته ثم ينتقل من المستويات الأعلى إلى المستويات الأدنى حتى يصبح الفساد والعجز عن مواجهة المشكلات هو علامة بارزة تهدد أمن وسلامة المجتمع وتهدد الإدارة نفسها في استقرارها وبقائها.. يجب أن يكون اختيار المسئول - على أي مستوى – على أسس علمية وأسس موضوعية.. يجب أن يكون قادراً على العطاء .. قادراً على الخلق والابتكار .. فبادر على حل المشكلات وليس مجرد تأجيلها أو الدوران حولها .. قادراً على التطوير والتجديد .. وليس على مجرد تسيير الأمور على ما هي عليه حتى تتعاظم المشكلات ثم يترك لمن بعده هذا الكم الهائل من المشكلات.. يجب أن يكون اختبار المسئولين والقادة على كل المستويات من ذوي القدرات وذوي المهارات والخبرات وليس من الوصوليين والانتهازيين وحملة المباخر الذين يوجهون كل شىء لمصالحهم الشخصية .. أن اختيار القادة والمسئولين في كل موقع مسئولية عظيمة .. أنها مفتاح الحل .. ومرة أخرى كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ..
منقول من كتاب من غير عنوان
للأستاذ عبدالحليم سعيد
§ ([1]) في إحدى السنوات حضر إلى مصر خبيران أمريكيان في مجال الإدارة بناء على طلب من مصر .. واجتمعا مع بعض أساتذة الإدارة في مصر .. وبقيا يعملان في مصر حوالي شهر .. وفي النهاية قدما تقريراً عن رحلتهما أكدا فيه أن مصر ليست بحاجة إلى خبراء وأن الأساتذة فيها على أعلى مستوى ولا تقلون عن نظائرهم في أعظم الجامعات ..مشكلتكم "أنكم لا تعرفون كيف تديرون البشر، ولا كيف تجعلونهم فاعلين " وطبعاً كيف تستطيع أي إدارة الإنتاج إذا كانت غير قادرة على إدارة البشر؟ لقد لخص الخبيران المشكلة تماماً في عدم القدرة على إدارة البشر..
§ ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ضمن بعثة وزارة التربية والتعليم لدراسة تطوير المناهج ودراسة مشكلات التعليم وكيف نطورها .. والتقينا هناك بكبار الأساتذة والخبراء في مجال التربية .. وجرت بيننا وبينهم مناقشات ..وكنا نسمع تعليقاتهم ومنها قولهم: نحن مستغربون .. لماذا جئتم .. كل ما تريدون معرفته منا أنتم تعرفونه جيداً .. إن معلوماتكم لا تقل عن معلومات أي خبير تربوي في أحسن المواقع .. أن بعضكم ولد ليكون مدرساً .. أنكم معلمون بالفطرة. وكنا نصل في النهاية إلى جوهر المشكلة وهي أنهم هناك نجحوا في تطبيق ما يعرفون بينما فشلنا نحن في تطبيق ما نعرف .. أنها وبكل المقاييس مشكلة الإدارة .. عدم القدرة على إدارة البشر..
§ حضر إلى مصر مهندس كوري مدني للعمل في إحدى شركات القطاع الخاص والتقى بالمهندسين المصريين وفي إحدى المرات دار بينه وبين مهندس مصري شاب حوار بالغ العفوية ..وبالغ الدلالة ([2]).
([1]) من مقال الأستاذ الدكتور / يحي الجمل في المصري اليوم، 31/3/2008م.
([2]) قصة رواها لي ابن أخي المهندس/ محمد عبد الله سعيد.
قال له المهندس الكوري: عندما أخبرونا بأننا سوف نذهب إلى مصر تصورت أنني سأجد التماسيح في الشوارع والجمال وسأجد عاملين متخلفين بحاجة إلى من يعلمهم .. وعندما جئت وجدت صورة مختلفة تماماً .. والأعجب أنني التقيت بالمهندسين المصريين فانبهرت بعلمهم وخبرتهم ..
وفكرت كثيراً .. لماذا أنا هنا؟! إن هؤلاء المهندسين يعرفون ما أعرف.. بل إن بعضهم أقدر مني بكثير .. وأخذت أفكر في المشكلة بالضبط.. وبعد أن رأيت الصورة كاملة وحضرت عدة محاضرات ولقاءات وزرت مواقع الإنتاج والأسواق.. بعد كل ذلك اكتشفت المشكلة .. أين توجد المشكلة بالضبط .. المشكلة هي: عندنا في كوريا كل 100 واحد مش فاهم يقودهم واحد فاهم يعلمهم ويستخرج منهم أحسن ما عندهم .. بينما لاحظت بوضوح في مصر أن كل 100 واحد فاهم يقودهم واحد مش فاهم يعطل عملهم ويعطل إنتاجهم ويحبطهم بخططه وأفكاره .. هذا هو جوهر مشكلتكم ..
مرة ثالثة تعود هذه القصة إلى مشكلة الإدارة .. مشكلة الاعتماد على أهل الثقة وليس على أهل الخبرة .. مشكلة عدم القدرة على إدارة البشر واستخراج أحسن ما عندهم .. ألم أقل لكم أن من أكبر مشكلاتنا الإدارة في المقام الأول .. هل من المعقول أن تكون كل إمكانيات المسئول عن الإدارة هو قدرته العالية في التملق والنفاق والحرص على رضا المسئول الأكبر وهذا يضمن له استمراره في موقعه بصرف النظر عن أداته .. هل هذا هو المسئول الذي يستطيع قيادة عملية التطوير .. وهل من المعقول أن يكون المسئول عن الإدارة كل مهمته هو مجرد تسيير الأمور كما هي دون مشكلات تفادياً للنقد ..وبالتالي تصاب إدارته بالركود وبتصلب الشرايين وفقدان قدرتها على الأداء والتجديد والابتكار.. وهل من المعقول أن تكون مهمة المسئول عن الإدارة هي أحداث أكبر وقيعة بين الموظفين والعاملين وضرب بعضهم ببعض وخلق الشلل بينهم ليضمن وجود جبهة مؤيدة له بالحق وبالباطل ولتكشف له عن كل المعارضين بينما الأداء في وادي والمسئولين في وادي.. أنني أنظر إلى كثير من الإدارات التي أتعامل معها وأتأمل الناس فيها من الكبير إلى الصغير ..أتأمل طريقة عملهم .. طريقة تفكيرهم .. تمسكهم بلوائح قديمة علاها الصدأ لم تعد تساير إيقاع الحياة ولا متطلبات الناس .. يتمسكون بها بشدة إذا لزم الأمر .. ثم أراهم يقذفون بها تحت أرجلهم أمام أي فائدة أو مصلحة .. تتحقق لهم .. أنظر إلى هذا النمط من الإدارات ومن المسئولين واسأل نفسي: هل هؤلاء الناس قادرون على التطوير .. وهل يستطيعون تنفيذ خطط طموحة؟..والإجابة قطعاً:لا
لذلك فتطوير الإدارة .. وتطوير البشر والقدرة على تشغيلهم .. واستخراج أحسن ما عندهم .. وزرع الحماس والعزيمة في قلوبهم وخلق ما يسمى بحيوية الإدارة .. هذا كله يحتاج إلى خبرات وكفاءات عالية من أعلى المستويات إلى أدناها .. وهذا كله يجب أن يكون شاغلنا الرئيسي إذا انتوينا التطوير .. وإذا كان إصلاح التعليم هو الخطوة الأولى في بناء النهضة فإن إصلاح الإدارة هي الخطوة الأولى مكرر بكل تأكيد .. فهل نفهم؟
يجب أن يكون المسئول قادراً على الخلق والابتكار والتجديد .. يجب أن تكون قادراً على مواجهة المشكلات والتعامل مع الأزمات ..لا يجب أن يكون المسئول .. أي مسئول صغر أم كبر .. عاجزاً تماماً في تقديم أي جديد أو مواجهة أي مشكلة .. ولكنه عبقري في تصفية الخصوم والمعارضين بكل الطرق حتى تخلو له الساحة تماماً .. فإن خلت لا تجده بفعل شيئاً أو يقدم شيئاً .. وتجد المشكلات تتزايد وتتعاظم وينتشر الفساد في إدارته ثم ينتقل من المستويات الأعلى إلى المستويات الأدنى حتى يصبح الفساد والعجز عن مواجهة المشكلات هو علامة بارزة تهدد أمن وسلامة المجتمع وتهدد الإدارة نفسها في استقرارها وبقائها.. يجب أن يكون اختيار المسئول - على أي مستوى – على أسس علمية وأسس موضوعية.. يجب أن يكون قادراً على العطاء .. قادراً على الخلق والابتكار .. فبادر على حل المشكلات وليس مجرد تأجيلها أو الدوران حولها .. قادراً على التطوير والتجديد .. وليس على مجرد تسيير الأمور على ما هي عليه حتى تتعاظم المشكلات ثم يترك لمن بعده هذا الكم الهائل من المشكلات.. يجب أن يكون اختبار المسئولين والقادة على كل المستويات من ذوي القدرات وذوي المهارات والخبرات وليس من الوصوليين والانتهازيين وحملة المباخر الذين يوجهون كل شىء لمصالحهم الشخصية .. أن اختيار القادة والمسئولين في كل موقع مسئولية عظيمة .. أنها مفتاح الحل .. ومرة أخرى كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ..
منقول من كتاب من غير عنوان
للأستاذ عبدالحليم سعيد
» قصه مرعبه خلي بالك
» الولد وشجرة التفاح
» فوازير وحلها
» عيد ميلاد نواره المنتدي
» تــــــــــــــــــرحــــيـــــــــــــــــب
» حبة رومانسية
» احن لطفولتي
» الكافية الملعون